هذا ما كتبه (بيتر دبلي) وهو صياد يعيش وحيدا في البراري النائية، على حافة القطب المتجمد الشمالي، وبرفقته كلب ضخم هجين فيه من دم الذئاب أكثر مما فيه من دم الكلاب.
وإذا جاء الخريف ينطلق مع كلبه إلى صيد الثعالب، ولا يعودان إلا إذا حل فصل الربيع ليبيع حصيلته من الفراء.
وخلاصة الموضوع أنه ظل مع كلبه أو رفيقه الصابر عدة أعوام يتقاسم معه كل الفرح وكل الشقاء والمخاطر.
وقدر (لبيتر) أن يتزوج، ورغم أن بعض الكلاب تغار إذا ما جاء رفيق جديد لسيدها يزاحمها في محبته، فإن ذلك الكلب تقبل تلك الزوجة بصدر رحب.
وما إن جاء الربيع حتى وضعت الزوجة مارغريت طفلا، وصار لزاما على الكلب الوفي أن يتعهد بحراسة ثلاثة أنفس، ومع ذلك أقبل على عمله راضيا، ونال نصيبه من السعادة التي مدت ظلالها على الكوخ.
غير أن المقادير لم تكن على الدوام مثلما يتمناه الإنسان، إذ مرضت مارغريت مرضا فجائيا لم يمهلها غير عدة أيام ثم ماتت، ودفنها زوجها في تلك الأصقاع الثلجية النائية وهو يبكي مع كلبه الذي شاركه الحزن بالعواء.
فانقلبت حياة بيتر رأسا على عقب، ولم يكن له خيار، فأصبح مثلما نقول: «العدو أمامه والبحر وراءه»، وهو لا يجيد مهنة في هذه الدنيا غير مهنة الصيد، غير أن هذا الطفل الذي أصبح عقبة كأداء معلقة بحلقه، كان لا بد من المحافظة عليه، واستطاع أن يحتال على رفيقه الكلب، وأفهمه أنه لن يخرج معه للصيد بعد اليوم، ولن يقاسمه مباهج الغابات وروعتها، وأنه لا بد وأن يلازم الكوخ ليتعهد الطفل ويرعاه، فامتثل الكلب وصار كل فجر يقف عند النافذة يشيع صاحبه حتى يغيب عن الأنظار، ثم يرسل زفرة من الأعماق ويعود باسطا ذراعيه إلى جوار فراش الصغير.
وذات يوم خرج بيتر، وعند رجوعه هبت عاصفة ثلجية عاتية حجبت الرؤية، وكاد يتيه لولا أن استعان بالبوصلة، غير أن الليل داهمه ولم يستطع الوصول إلا في صباح اليوم التالي، وعندما أقبل على الكوخ أخذ يصفر للكلب كالعادة، ولكنه تعجب أن الكلب لم يستجب لصفيره ويقف خلف النافذة كما هو دائما، واجتاحه الخوف عندما دخل وإذا بمهد الطفل خال، وعلى الملاءة دم أحمر، ووقف مفجوعا وذاهلا وهو يرى الكلب أحمر الفم أيضا وفروة عنقه مضرجة بالدم، ولم يرفع الكلب بصره إليه، ولم يحاول أن يدنو منه، بل جثم حيث هو ناكس الرأس صامتا خاشع الطرف، وفي مثل ومضة البرق أدرك بيتر «أن العرق دساس» وأن ابن الذئب لا بد وأن يكون في النهاية ذئبا، وصرخ الرجل ورفع فأسه وهوى بها بكل قوته على رأس الكلب الضخم وحطمه، وإذا به فجأة يسمع بكاء طفله (المدحوش) خلف الكلب تحت السرير ولم يصب بسوء.
وأخذ يجيل بصره في أرجاء الكوخ وكاد يقع مغشيا عليه عندما شاهد جثة دب كبير ملقاة في ركن مظلم وقد تمزق نحره من أنياب الكلب، وارتمى بصدره على الكلب يعانقه ويبلله بدموعه ويعتذر له بنشيج يقطع الأكباد، غير أن الكلب لم يستطع أن يتجاوب معه غير بهزة خفيفة من ذيله وكأنه يقول له: لا تبك لقد قبلت عذرك، ثم لفظ أنفاسه، وحفر له قبرا بجانب قبر زوجته ودفنه فيه.على هذا جزاء من يتعجل بامر بدون تروي ورؤية تقيه الحزن والندم العميق فيما بعد
منقول للأمانه OOOOLDONE